الفصل العاشر
("تتسرب إلينا الطمأنينة، نحن البشر؛ عندما نجد أشباهنا، عندما يجتمع المحزونون والمكلومون والمجروحون فى صعيد واحد، حينها، تنهمر العبرات، تلهينا مآسى من حولنا عن مآسينا ")
بيروت، شتاء 2016
كانت الساعة تقترب من السادسة مساءً عندما غادرنا، أنا ومايا، مطار رفيق الحريري ببيروت بعد عودتها من أبو ظبى، بدت عيناها غمامتان تسكنان منطقة استوائية، لا يجف ماؤهما صيفًا ولا شتاءً، وخداها جمرتان أخفق طقس فبراير القارس وأمطاره التى ما فتئت تهطل منذ الصباح في إطفاء جذوتهما، تُرعد سحبها حينًا وتبرق حينًا آخر فتفلت منها جمل وكلمات غير مفهومة، كأنما تخاطب شخصًا أمامها، تصورتها تصب جام غضبها وسخطها وغيظها على زوجها، لم أدرك أن قطعة الجليد الطافية على سطح الماء تخفى تحتها جبل مآس وتراكمات ترسبت على مدى سنوات طويلة.
بمجرد أن وقعت عيناها علىّ في صالة الوصول بالمطار ارتمت في أحضانى وانفجرت باكية ينتفض جسمها انتفاضا شديدًا، لا يكاد بكاؤها يهدأ إلا ويعاود ارتفاعه ثانية؛ موج من بعد موج والبحر هائج لا ينذر بسكينة أو هدوء والملاح تائه مغلوب على أمره، حتى ظننت أنها لا تتوقف فهززتها برفق ونظرت في وجهها فإذا هو سحابة شتاء لم تدخر جهدًا في عصر قطراتها ممزوجة بلوعتها يرافقها رعد وبرق، كان المسافرون والمتواجدون بصالة الوصول ينظرون نحونا ويبتسمون؛ ظنوا أنه لقاء صاخب بين زوجين أو حبيبين طال فراقهما وآن أوان اللقاء لتخمد أشواق أججها البعاد والوحدة.
لم تفلح محاولات تهدئتها أو إقناعها إرجاء التفكير في أمر زوجها، بدت ممسوسة بقهرها وعذاباتها ووحدتها، تمزق ما يحيط بها من ستائر وأسوار التزاماتها الزوجية، سِترا وراء سِتر، شرنقة وراء شرنقة، لا تُبقى على شيء إلا وحطت منه بقول أو فعل، تملكتها رغبة ملحة في الصراخ الصامت وإعلان تمردها ورفضها لحالها.
ما إن تماسكت حتى سرنا متساندين نحو سيارتى، تتأبط يسراى بينما أدفع عربة حقائبها بيمناى. جلسنا في السيارة واجمين، ثم بادرتها مُتسائلاً عن حالها، وعما أصابها وسألتها عن ابنتها وأمها وأقاربها، وبعد كل سؤال تهز رأسها أن لا شيء، وأنهم بخير، ثم نظرت نحوى بعينين أكلهما الهوان والدمع، ثم قالت،
- هلا نمرق ع البيت !!
- .......
قُدت السيارة صامتًا تتنازعنى الهواجس تُرى ما الذى زلزلها وهز أركانها، أين مايا التى ما كنت أراها في صالة المطار إلا هاشة فرحة يملؤها التفاؤل، تسألني عن حالى وعن العمل وتعقب (وحشتنى كتير بيروت)، وتضم أصابع يمناها إلى فمها تقبلها ثم ترمى بقبلتها إلى سماء بيروت فتضيف إلى نجومها أقمارًا في المساء وشموسا في النهار.
جلست إلى جوارى في السيارة منهكة القوى محبطة، سحبت منديلين معطرين من العلبة الورقية عن يسارها؛ مسحت وجهها وعينيها، تَشَمَمَتْ بقايا عطرهما في قوة كأنما تستفيق من إغماءة، ارتدت نظارتها الشمسية رغم الظلام مُخفية عينان متعبتان مسهدتان، ونفسًا حيرى، وقلبًا فارغًا يضرب فيه الحزن بفؤوس الخيبة ويزرع فيه بذور خواء قاتل لا يطلع عليها صباح إلا واستحالت أشجار يأس باسقة تقف على أفنانها أعشاش الغربان والبوم، تطوحها الخطوب والهواجس.
أشعلت سيجارتها وألقت برأسها للخلف وراحت تنفث الدخان في استسلام، أظنها أغمضت عينيها محاولة الاسترخاء مستعينة بتمارين دكتور ستيوارت في تخفيف الضغط النفسى والتوتر، تذكرت الندوة وتساءلت في نفسى، تُرى هل تذكر مايا أول مرة تَفَسخَ فيها جدار خجلنا حين تعانقنا، أول مرة ألقيتُ فيها الزمن من نافذة الكرة الأرضية فتهشم على رصيف الحب، انتزعت عقربى الساعة ورحت أُجدف بهما في بحر المستقبل مُخترعًا زمنى الخاص، حذفت الشتاء والخريف والصيف، ونَصَبت الربيع ديكتاتورًا أبديًا على فصول السنة، هيهات هيهات إن عادت تلك اللحظات أن أُفلتها من يدى مرة أخرى، سوف أضيف إلى عمرى أعمارًا أخرى، وأمحو سذاجتى وأدون بدلاً منها خبرات جديدة.
قطعنا طريق المطار صامتين أُنقل عيناى بينه وبين وجهها فأجده غائما مُكدرا، عند مفترق الطرق قصدت اتجاه ساحة النجمة، لأنحدر منها يسارًا إلى بيتها في شارع الحمرا، لكنها سرعان ما بادرتنى متسائلة بنبرة حاسمة، (لوين رايحين ؟).
- بيتك !!
- قلت لك بيتك، بعدك نسيت
- أبدًا حبيبتى، بعدك واصلة تعبانة
- صحيح، كثير تعبانة، بدى ارتاح
- خلينى أوصلك لبيتك، وع الصبح بنلتقى
أمسكت مقبض أكرة الباب وقالت بعصبية كأنها توشك على القفز من السيارة
- إذا ما بدك نزلنى هون
زممت شفتاى وقلت منصاعًا،
- تحت أمرك
- ....
نظرت نحوها وهززت رأسى وأنا أدور بالسيارة في اتجاه الروشة تغمرنا ظلمة الطريق وقلق من قادم مجهول فيما هى شاخصة ببصرها إلى لا شيء كمن يمضى إلى حتفة بإرادته عامدًا متعمدًا غير مبال بما هو آت. نظرت إليها أكثر من مرة كأنها امرأة أخرى غير التى عرفتها، كانت عيناها مشدوهتين كأنما تعاينان مكروهًا، وكلماتها مبعثرة من دون تركيز، راحت الهواجس تتقاذفنى يمينًا ويسارا يُثقل من عبئها بكاؤها ووجومها، ترى أى علاقة بين ذهابنا إلى بيتى وما ألم بها، حيرتنى مايا وأتعبتنى ؟.
أكلتنى الهواجس والتساؤلات طوال الطريق، لم يدخل هذا البيت امرأة سوى تريزا؛ تأتى صباح كل سبت وتغادر مع الظهر وقد بدلت حال البيت من حال إلى حال، تنزع عنه فوضى عاشها لأيام وتمنحه لمسة أنثوية لا تلبث أن تغادره متى انفردت به.
تداخلت في رأسى الأسئلة، سؤال يلد سؤال في متوالية أرنبية لا تتوقف. ماذا أفعل ؟ ؟ حار عقلى ولم أجد جوابًا ينتشلنى من حيرتى وشتاتى فيما تأخذ السيارة اتجاهها نحو شقتى بينما ينعكس على وجهينا أضواء خاطفة من سيارات تختلف سرعتها وحدة أضوائها في الاتجاه المقابل فتتلون وجوهنا ونفوسنا ولا تثبت على حال.
أفقت من شرودى على ضوء إشارة المرور الحمراء، هدأت السرعة ونظرت إليها فوجدتها على حالها؛ متكأة برأسها إلى مسند الكرسى تتعاقب من فمها المزموم دوامات دخان سيجارتها، بدت خطوط مساراتها الرمادية قوية أول الأمر، لكل دوامة شكل محدد لكنها سرعان ما تبهت وتتلاشى متداخلة في بعضها البعض، تمامًا كهمومنا؛ تبدو أول الأمر قوية تهزنا في عنف، ترجنا من الداخل، ثم نعتادها، تصبح طقسًا صباحيًا نبحث عنه أول ما نفتح عيوننا ونتحسسه قبل إغماض عيوننا في مساءاتنا الحزينة.
لكسر جمود الموقف، أدرت مؤشر الراديو بحثًا عن موسيقى هادئة، تنقلت بين قنوات إخبارية ورياضية وأخرى غنائية، مدت مايا كفها بلامبالاة وأغلقته، نظرت إليها مبتسمًا وقلت مداعبا علها تتخفف من بعض الهموم،
- بدك أغنيلك ؟
فأجابت متهكمة بوجه يحتفظ بتقطيبته ودون تحويل عينيها عن الطريق،
- بيكون أحلى !!
ثم أردفت بصوت ملؤه الأسى والحزن،
- ما حدا بيقدر يعبر عن أحاسيسنا غيرنا؛ نحنا المكويين بالنار، نحنا بنغنى لحالنا، نحنا نسلطن روحنا
فأمنت على كلامها، ومضيت أدق بأصابعي على مقود السيارة إلى أن وجدتنى أدندن بأغنية فيروز "كيفك أنت" لاكتشف تسرب قلقها عبر قناة غير مرئية إلى نفسى، يزيد مستواه كلما اقتربنا من منزلى.
فى العادة، استقبلها في المطار بقبلتين على وجنتيها الورديتين وأودعها أمام بيتها بأخريين. قضيت الطريق مشغولاً، غابت الأضواء الخضراء والصفراء من عينى وامتلأت بالضوء الأحمر توترًا مما هو آت، ما سبب إصرارها على المرور على بيتى ؟، تُرى وما الذى لا يحتمل الانتظار حتى الصباح، ثم طرق ذهنى هاجس غريب، ماذا أفعل إذا قررت قضاء الليل عندى ؟، أم تراها تقضى بعض الوقت ثم ترحل إلى بيتها تتفقد ابنتها وتستعد ليوم عمل جديد تدفن فيه أحزانها، تطحن نفسها في العمل كى تغيب عما حولها من آلام، العمل خمر أحزاننا ومشاعرنا المهترئة.
لم أسلم من عبث عقلى متسائلاً كيف سيمر الوقت الذى ستمضيه معى حتى رحيلها إلى بيتها، إنها أول مرة يضمنا مكان خاص وحدنا؛ التقينا مرات ومرات ورآنا أصدقاء وجيران وأناس نعرفهم وآخرون لا يعرفوننا، تحكمنا براءة أفعالنا وعفوية مشاعرنا وأحاسيسنا، لم تتخط علاقتنا إطار صداقة وطيدة؛ ليس أكثر، نعم شابها حب إلا أن كل منا وقف عند حدوده والتزم.
لم يسبق ان استقبلت سيدة في شقتى باستثناء الخادمة التى تمر على شقتى كل سبت تنظفها وترتبها وتعيد إليها شيئًا من نظام. تريزا، شديدة السمرة، قليلة الجسم من غير إفراط، في العقد الثالث من عمرها، تركت في بلدها الإفريقي زوجا عاطلا وأطفالا مشردين تطحنهم الصراعات السياسية والحروب الأهلية.
ربما سرحت بخيالى مرة أو أكثر، فأرى مايا تزورنى في بيتى نقضى أوقاتًا مختلفة عن تلك التى نقضيها معًا خارج البيت، رسمت لها صورًا عدة تختلف ومِزاجى العام ورغبات تتفاعل طرديا مع نفس قلقة عذبتها وحدتها وانكساراتها فباتت تبحث عن انتصاراتها في الخيال، ثم لا يلبث هذا كله أن يصبح سرابًا، في خبر كان، قطرات ندى سحقتها شمس أغسطس القاسية فبات سطح الورقة أخضر جاف بلا أثر لماء مسه.
لا تعرف شقتى فوضى مثل تلك التى تحدث في اجازات تريزا السنوية، تسافر إلى أسرتها شهرًا أو بعض شهر، وعبثًا تضيع جهودى في ترتيبه سدى، فإذا ما عادت عاد للبيت نظامه ونظافته وطمأنينته. تأتى مبكراً، فافتح لها الباب ثم أدخل غرفتى لأكمل نومى؛ فإذا ما استيقظت أعدت لى إفطارًا يختلف عما اتناوله خلال الأسبوع، وأحيانًا أفضل العمل أو القراءة على النوم مكتفيًا بفنجان قهوة من يدها.
لحسن الحظ، كانت عودة مايا من أبو ظبى يوم أحد، اليوم التالى لزيارة تريزا، ولم يكن البيت قد تأثر بفوضاي التى لا تترك شيئًا على حاله بعد، كان كما تركته منظمًا نظيفًا مع وجبتى غداء أودعتهما الثلاجة لاقتطع منهما متى شئت. دلفنا إلى الشقة فتوقفت تنتظر مساعدتى؛ أين تتجه.
بترحاب، أشرت نحو الصالون، فتقدمت بضع خطوات، ألقت معطفها الصوفى الأنيق المحيط بجسدها الممشوق على الفوتية، ثم خلعت نظارتها وألقت حقيبة يدها من غير اكتراث على أحد الكراسى. خلعت حذائها بلا اكتراث وجلست مسترخية تحرك مشطى وأصابع قدميها لتطرد التعب، قلت لها وأنا أَهِم بدخول المطبخ
- دقايق وأكون معاك
- لوين ؟!
- عندى أكل جميل جهزته تريزا، خلينا نتعشى سوا
- ما بدى وَكِل .. بيكفي أكل الطيارة
- ...
- صدقنى .. ما بدى
- تشربى شي ؟
- ممكن ... قهوة
- تمام
- ...
جلسنا نحتسى قهوتنا ونتجاذب أطراف الحديث، سألتها عن الرحلة وكيف كان عملها، وما الذى تنتويه حين تعود لمكتبها في الغد، سألت عن حضانة ابنتها، وعن وقتها المقسم بين البيت والعمل والسفر، شيئًا فشيئًا انفثأ جرح حديثها فانهمر سيل حكيها دافئًا لزجًا ممزوجًا بالحسرة والألم.
كجرح يسيل خيط دمه متخثرًا قانيًا دافئًا حكت من بعيد ومن قريب؛ عن طفولتها وشبابها، عن زواجها، عن طفلتها، عن أول حب وأول قبلة، عن المدرسة الإعدادية، عن أول قلب رسمته يخترق زاويتيه سهم حب كتبت عند طرفيه بالإنجليزية حرفى M و R؛ في إشارة إلى اسمها واسمه، مايا و رانى، كانت في الصف الأول الثانوي وهو في الثالث، لا تتذكر كم مرة ذهبا معًا للسينما وكم ألف مرة سرقا من بعضهما القبلات.
حكت عن عمتها المهاجرة إلى كندا منذ سنوات طويلة وزياراتها للبنان كل خمس سنوات، تمنت في صباها لو صحبتها في رحلة عودتها لتقيم معها بعد زواج أولادها، حكت عن وعد والدها برحلة إليها إن هى حصلت على مجموع كبير في الثانوى يؤهلها للجامعة الأمريكية، عن رحلتها بالطائرة من بيروت إلى لندن وانتظارها بمطار هيثرو تسع ساعات مرت كتسع سنوات، جلست إلى جوار البوابة حتى أعياها الانتظار، تمشت في قاعات المطار، تسلت بالفرجة على المحلات والماركات العالمية، وبين كل لحظة وأخرى تنظر في الساعة.
لم تهدأ إلا حينما جلست على كرسيها إلى جوار النافذة، لم يغمض لها جفن رغم الرحلة الليلية وحينما حطت الطائرة في مطار فانكوفر غرب كندا نسيت تعبها وسهدها، ارتمت بين أحضان عمتها، فتحت حقيبة يدها وأهدتها الشال الصوف الذى نسجته أمها بألوان علم لبنان، دمعت عينا العمة وقبلته، قبلت شجرة الأرز في وسطه، لفته حول رقبتها، حينها رجعت عمتها، بحسب قولها؛ فتاة في الجامعة مملؤة بالحب والتفاؤل، ومن يومها تحرص العمة على لف الشال حول رقبتها شتاءً ووضعه على كتفيها صيفًا، لا تريد أن تنسى لبنان في بلد ذاب فيه القادمون من مختلف بلاد العالم، بلد لا تخلو فيه بناية من أسرة ذات أصول آسيوية أو إفريقية أو لاتينية، بلد صُنعت سبيكته من معادن شتى، الغالى والرخيص، النفيس والردئ، ينتظمون جميعا في إطار محكم، وجيلاً من بعد جيل تبهت الروابط مع البلد الأم، يتحول إلى ذكريات وخيالات تشاغب الذاكرة في المساءات الدافئة، وما أندرها.
حكت عن بنات وابناء عمومتها كيف تزوجن ومن انفصلت ومن عاودت الارتباط، اطفالهم الصغار، مشاكلهم، مشاغباتهم، قفشاتهم ونكاتهم، عن آخر مرة رأت فيها بينو الصغير فاكتشفت أنه فاقها طولاً وبرزت عضلاته مفتولة واضحة، غمرت وجهه بالقبلات وذكرته بطفولته بين يديها، وقت كانت ابنة عمها تقيم بالقرب من بيتهم، تمر صباحًا تاركة الصغير ابن العام عند زوجة عمها فتتلقفه مايا ابنة العشر سنوات فرحه هاشة باشة كأم تتلقى ابنها بعد غياب، ويوم حزمت ابنة عمها حقائبها وهاجرت مع زوجها إلى البرازيل بكت على فراقه كما لم تبك أمه على فراق أمها، خمسة عشر عامًا مرت قبل أن ترى بينو الصغير مرة أخرى شابًا فتيًا ممشوق القامة كأعواد القرفة؛ لوحته الشمس، أقرب ما يكون إلى البرازيليين منه إلى الشوام، مسبل الشعر مع بشرة لوحتها الشمس.
حكت عن أمها وأبيها المقيمين بالجبل تزورهم من حين لآخر، أخوها المهاجر، أو الهارب، إلى المانيا إثر خلاف سياسى مع بعض المتنفذين بالبلد، عن الكهرباء التى لا تلبث تنقطع متى جاءت، عن الفساد وعن كل شيء كريه الرائحة في السياسة والمنزل والشارع والعمل، عن مديرها ألفونسو وكلمات غزله الفج، عن تحرشه الرخيص بها، عن أصوله اللاتينية، عن ثقل ظله وتفاهة أفكاره ومستوى عمله السئ متعجبة من ترقيته لهذا المنصب قادمًا من مقر المنظمة بانجلترا.
حكت ما شاء لها الله ان تحكى، حكت حتى تعبت، شربنا قهوة مرتين أو ثلاث، تشاركنا في إعدادها وتناولنا معها بعض الكيك، اقتربت منى أكثر وأكثر، تبادلنا بعض النكات والقفشات، جمعتنا وحدتنا وخيباتنا، تساندنا على آلامنا فمشينا في غابة الحنين مطمئنين تدفعنا غريزتنا الإنسانية للتقارب أكثر فأكثر، كسرنا حواجز خجل أوقفتنا، قبل ذلك، عند خطوط تفاوتت ارتفاعاتها ومسافاتها الفاصلة.
تتسرب إلينا الطمأنينة، نحن البشر؛ عندما نجد أشباهنا، عندما يجتمع المحزونون والمكلومون والمجروحون في صعيد واحد، حينها، تنهمر العبرات، تلهينا مآسى من حولنا عن مآسينا، نتعزى في سرادقات العزاء بمن يشاركوننا أحزاننا، نوقن أن كل شيء إلى زوال. كنت قد قرأت لرسام الكاريكاتير حسين بيكار عدة أبيات نقشها إلى جوار رسم لعصفور يقف وحيدًا مغردًا على غصن شجرة في الصفحة الأخيرة للجريدة،
(توت توت ..
هس سكوت ..
هس اسمعوا صوت الكتكوت ..
حكمة قراها في ورقة توت ..
كل وليد ولابد يموت ..
وكل مصيبة مسيرها تفوت).
تجاوزت الساعة التاسعة بقليل حين تمددت على الكنبة مسندة رأسها على فخذي وراحت تدندن مقاطع مختلفة، بدا واضحا أنها تخلصت من بعض توترها، طلبت قطعة الكيك المتبقية، فناولتها الطبق، نظرت في عينيي وتساءلت بغنج (ما بدك توكلنى ؟)، ابتسمت ورحت اقطع الكيك وأضعه في فمها وهى تمضغ على مهل، طلبت قطعة أخرى فألقمتها إياها، قبضت عليها بشفتيها ثم زمتهما ومدتهما نحوى وأغمضت عينيها، شيئًا فشيئًا قربت فمى من الشجرة المحرمة؛ مسستها محاذرًا بشفتاى حتى غاصتا في شفتين اسفنجيتين دافئتين تخبران عن آتون مستعر بداخلها، ثم ما عدت أدرى شمالى من يمينى، ويمينى من شمالى.
أغمضت عيناي سابحًا في بحرها معتمدًا على خيالى، جذبنى موجها المتلاطم، غطانى من رأسى إلى أخمص قدماى، لسعتنى قناديلها وأغوتنى حورية بحرها، تعلقت بزعنفة حوت العنبر وغصت في مجاهل بحارها وبحيراتها، أنهارها ومحيطاتها، شققت صفحة الماء وغصت مبهورًا بشعاب مرجانها وغرائب كائناتها البحرية، سابقت حيتانها وقروشها وتهت في تفاصيل عالمها الأسطوري، وفى لحظة خارج الزمن سحبتني وألقتني خارج الماء، نبت لى جناحان عملاقان، حلقت في الفضاء، نظرت بعيني نورس إلى أسراب سمك الشبوط، صوبت النظر إلى كبد السرب، وانطلقت كسهم مخترقًا صفحة الماء، قبضت بمنقاري المدب على فريستى وعكست اتجاهى؛ خارجًا، صوب سطح الماء، أعدتُ الكره مرات ومرات، وما إن شبعت حتى حلقت بجناحى مخترقًا السحاب، تقلبت بين غمامات صيفية وأخرى شتوية؛ امتطيت بساط الريح وطفت بلادًا بعيدة وأخرى قريبة، سرت حافيًا على حصبائها، وتمددت تائهًا على رمال شطآنها البيضاء والصفراء والسوداء، أكلت مع قبائل الغجر، وتناولت أفخر الأطباق في أفخم المطاعم، وعندما استيقظت كانت قد رحلت بعد ما تركت قبلتها على شفتاى.
الفصل الحادي عشر
("ليست نهايات .. إنما هي بدايات متعاقبة ")
بيروت، صيف 2016
مضت أيامنا وليالينا بين حرائق لا نتورع عن إشعالها ليلاً ونهارا؛ إن كففت أنا سَكَبَتْ هى البنزين فيعبق الكون برائحة معدنية نفاذة محفزة للانفلات من أسر كل قيد وعُرفٍ وقانون، كائنان أسطوريان أفلتا من أسر جاذبية الأرض وتعاقب الليل والنهار. عدنا إلى طبيعتنا الأولى؛ رجل وامرأة يخطوان بنزق وشغف خطواتهما الأولى على سطح كوكب الحب، كما آدم وحواء؛ لا ممنوعات، لا محظورات، يثيرنا شغف التجارب الأولى، قطف ثمار جنة ونار لم تمسسها شفاهنا من قبل، تسلقنا أشجارًا لم يخلق مثلها في البلاد، عبرنا بحار الغرق حافيين، نظمنا عقودًا من النجوم، ولمسنا شهب السماء على ظهر العنقاء، وعندما عدنا إلى كوكب الأرض عَجَنْا واقعنا بالخيال فلا ندرى في فورة الحب أين هذا من ذاك.
أُشعل عود الثقاب وأضرم النار في أجران الحرمان، وحيدان ندور؛ متشابكة كفوفنا، ممدودة أذرعنا، متباعدة صدورنا، مشدودة ظهورنا، نرسم بدوراننا اللا متناهى، داخل إطار النار المتأجج نارًا ونورًا، قلبٌ كبير، تتطاير أمام عيوننا شذرات حب متجمرة في تتابع لا نهائي. ليست نهايات .. إنما هي بدايات متعاقبة.
كم من الكائنات معقود نهايتها بقمة إبداعها، يصيغ الشاعر قبيل رحيله أروع الأشعار، ويطلق طائر الشوك أعذب تغريداته في ذات لحظة الاحتضار، وفي لحظة ملامسة الموت توهجت مارى بضياء المعرفة وألقت بنفسها في آتون النار؛ وكذلك فعلنا.
تقول الأسطورة، أن الفراشة مارى كانت تُمضى نهارها بين الحقول والحدائق، وفي المساء تحوم مع رفيقاتها حول جذوة نار. همست ذات مساء لصديقتها "ما سر النار ؟"، نظرت إليها في ذهول وقالت "النجاة في غلق باب السؤال"، وكيف تغلق مارى الباب والأسئلة مطارق تصدع رأسها والوقوف على جسر الانتظار يقتلها ببطء، حزمت أمرها، واندفعت بدون تردد كسهم إلى قلب النار، لتنتهى الأسطورة بسؤال؛ "تُرى من عَرِفَ سر النار ؟ مارى التى احترقت داخلها، أم صويحباتها اللواتى ما زلن يَحُمن حولها ويفكرن في سرها ؟".
لم نحتمل، أنا ومايا، لوعة الانتظار ألقينا بنفسينا المعذبتين في جحيم الخلاص، نَضِجُ بالصهد والأنين، نتبادل الأدوار ما هدأ الحريق كأن بيننا اتفاق خفى بأن تظل حرائقنا مستعرة لا تخمد نارها على مدار الساعة؛ مشاريع حرائق تمشى على الأرض. نلهو كطفلين لا يُدركان خطر النار ولا سرها، أورثهما جهلهما نزقًا أوشك أن يهلكهما وعذابًا لا يقل عن عذابات بروميثيوس الإغريقي الذي أفشى سر النار فعاقبته الآلهة بنسر يأكل كبده كل صباح.
سكنتنا نار بروميثيوس وما عادت تغادرنا؛ ومن قال أننا نرغب أن تغادرنا؛ حبسناها سنوات فتلبستنا، صرنا وقودها المتجدد لوعة وحريقا، نترقب توهج جذوتها، يطمئننا تتابع ميلاد الأعاصير واحدًا تلو آخر، تمور السماء، تتداخل السحب، تُرعد وتُبرق، يثور البحر ويهيج موجه، يعاف أسماكه وشعابه المرجانية، يتقيأ ما في بطنه على شاطئيه، يتداخل الموج، يرتفع حصانًا خرافيًا بجناحين عملاقين، يَشِبُ على قوائمه، يصفع بجناحية الهواء الكسول بكل قوته، ينسدل شعر الرقبة للخلف، يُصهل فتخشع الطبيعة وتستكين الحيوانات، يصهل فتختبأ ما عداه من كائنات، يصهل بما أوتى من قوة، يتداخل صوت صهيلة بخوار يضج من أعماقه، تخور قواه، يغمض عينيه قليلاً قليلا، يسيل لعاب بطئ على جانب فمه، يلملم جناحيه منزلقا تحت الموج في انتظار ميلاد جديد لا شك قادم.
كنار المجوس لا تخمد حرائقنا، في القرب أو البعد، يُزكى نارها شوق تضطرم به صدورنا ما غاب الآخر. لا نفتأ نتواصل؛ صوتاً وكتابة وصورة، في الصباح. في المساء. في المصعد. في المكتب. في الشارع. في السيارة. في الأتوبيس. فرادى وأثناء الاجتماعات، نخطف بضع كلمات مشبوبة بالعاطفة، أطلبها تليفونيًا فيأتيني صوتها ناعما مُعتقًا بالأنوثة،
- اشتقتلك !!
فأعقب
- أشوفك في المسا
- أكيد عيونى، ما راح اتأخر
- .............
يغرينا شغف لا يهدأ، يُطل بعيون مُسهدة بالغة الحمرة أضناها الهوى؛ عيون رغبة تحترف التمرد وآتون تتراقص ناره على إيقاع سعيره، فلا جسدًا سكنت، ولا نفسًا حبست. ضاق الجسد وما عاد يُطيق صبراً؛ تفسخت جدرانه وتصدع السقف وراحت قرقعة مفاصلة ترتفع منذرة بخسف لا شك آت، نمضى مشبوبين دون وعى أو إدراك، غير مشغولين بما هو آت، ولا ما هو حاضر؛ نقف عند لحظة في فراغ الزمن يتساءل فيها الوقت أين أنا ؟.
كانت حرائقنا بلا مواعيد ولا توقيتات تنذر باندلاعها، ولا فصول ينبئ مناخها عن اسمها ووصفها؛ تداخلت بروقها ورعودها مع نسيمها وسطوع شمسها، ربما صباحًا أو مساءً، وربما بعد حديث تليفونى عابر أو آخرَ صاخب، ربما خرجنا من العمل معًا نقصد مقهى، أو مطعم، أو حتى منزلى، وربما انطلقنا إلى جِبِيل بعد انتهاء عمل يوم الجمعة، لنقضى العطلة الأسبوعية هناك، بلا ترتيب، وبلا امتعة، فقط يصحبنا جنوننا ونزقنا.
- غرفة مزدوجة ؟
سَأَلنا موظف الاستقبال المبتسم الأنيق في فندق بيبلوس، فأجبناه في صوت واحد،
- نعم !!
عاود السؤال،
- وين أغراضكن ؟
فأجبناه بصوت واحد ونحن نمسك بياقات ملابسنا،
- هَدولا
- ......
ثم ضحكنا وربما احمرت وجوهنا خجلا. نظر الموظف نحونا مبتسما وهو يناولنى مفتاح الغرفة ويتمنى لنا ليلة سعيدة، شكرته وطلبت موافاتنا بالعشاء بعد ساعة في الغرفة.
كم كانت هذه الليلة غير المنتظرة حقًا أسعد ليالينا، ربما شبق المغامرة والخروج عن المألوف هو ما أضفى عليها ألقا وتوهجًا غير منتظرين، وربما كان السبب في سكب المزيد من بهارات الإثارة خلال هذين اليومين أنها جاءت دون ترتيب، ما أجمل أن تتخذ قراراتك في لحظة جنون غير مكترث لا بالنتائج ولا التبعات، لا تشغل بالك بأى شيء، هل ستجد حجرة بفندق لليلتين ؟، هل معك ما يكفى من المال ؟، أهذا أفضل وقت لزيارة تلك المدينة ؟، وهل ستتمكن من الإقامة من دون حقيبة ملابس ؟، ولا السؤال الداعى للتردد والنكوص أكثر من كونه مشجعا، هل هناك أماكن تستحق الزيارة فعلاً ؟، كم أبغض هذا السؤال، أراه محبطًا أكثر منه مُحفزًا للسفر، بوابة هروب خلفية من أسر التزام متسرع تتلهف له النفس المكتوفة بقيود ذهبية وتتضور انطلاقا وحرية، إتيكيت وبروتوكول لشخص يود لو يعيش في الغابة.
منقوعة قراراتنا في أسر التحفظ والنمطية؛ لا قرارات جريئة ولا قرارات تتجاهل المستقبل وتتحدى المفاجآت، أفقدنا تحفظنا الكثير من متع الحياة، (اللي يحسب الحسابات في الهنا يبات، وعصفور في الإيد أحسن من عشرة ع الشجرة، والمضمون ما فيش أحسن منه)، حكمت هذه الثقافة حياتنا وألزمتنا بأحكام مسبقة عمادها الرتابة والقلق من المستقبل تتفق وعموم التفكير العام، فخسرنا عمرنا ظنًا أننا على رصيف المضمون، لنكتشف في نهاية الشوط أننا وقفنا على الرصيف الخطأ لتمزقنا اللوعة ونحن نشاهد قطار المستقبل يحمل المغامرين على الرصيف المقابل ويتركنا مع الماضى في طى النسيان.
لم نرتب قضاء العطلة الأسبوعية خارج بيروت، ولا فكرنا حتى في لقاء يجمعنا في تلك الليلة، بدا الحديثُ عابرًا وتلقائيا. مرت على في مكتبى قُبيل موعد انصرافنا بقليل، تبادلنا أسئلة تقليدية، عن الأحوال، ثم أبديت ملاحظة أنها مهمومة بعض الشيء، ربما كنت أجاملها مُبديًا اهتمامى بكل تفاصيلها البادية للجميع وتلك الخفية التى لا يراها أحدًا سواى، سؤال كررته في مناسبات عديدة عشرات المرات وكررت هى، برتابة، ردها المختصر في كلمة أو كلمتين على الأكثر؛ (مليحة) أو بفرنسية أصيلة (بيان Bien).
ورغبة منى في إخراجها من انشغالها هذا، اقترحت عليها ان نسهر في جبيل أو بيبلوس كما يسميها عموم اللبنانين، لا تزيد المسافة بين المدينتين عن ثلاثين كيلو متر، الأمر الذى يسمح بالعودة بعد انتهاء السهرة، إلا أنها أردفت بعينين تقدحان بوهج المغامرة قائلة (ونبيت هناك ؟!)، ولم تنتظر ردى فتحت هاتفها واتصلت بالخادمة وأعطتها بعض التوجيهات للعناية بابنتها وأنها ستغيب ليومين، من هنا جاء ذهابنا إلى جبيل مباغتا وجميلاً في نفس الوقت. نظرت إليها مندهشاً وعقبت،
- يا الله .. عن جد ؟ إيه.. ما بتمرقى ع البيت ؟
ثم أردفت
- ما فيك تجيبى شي ؟
نظرت نحوى بعينين تنضحان شقاوة وهزت رأسها يمينًا ويسارًا ثم قالت،
- ولا أنت حبيبى ؟
تساءلت،
- وإيه راح بدنا نعمل هناك ؟
فأجابت وهى ما زالت على حالها من التمرد الحلو المتخم بشقاوة لطيفة
- بنرجع للفطرة، آدم وحوا، نجرب حياة أجدادنا الأوائل !!
كنا أقرب إلى الإنسان الأول؛ عفويين وتلقائيين، تمامًا كما كان أبوانا الأُول؛ آدم وحواء، بلا بروتوكولات ولا مساحيق تُجَمِل لقاءاتهما وصورتاهما أمام بعضهما البعض، فقط على الفطرة.
لكم كانت فطرتنا رائعة، ولكم بدت المفاجآت التى تنتظرنا أحلى وأجمل؛ كونها دون ترتيب ودون انتظار، تُفقدنا الترتيبات المملة بهجة المفاجآت السارة، وتسلب السعادة ضحكتها، قد نقضى أوقاتًا طويلة نرتب لقضاء عطلة في أحد الأماكن، نجهز حقائب السفر، نحشرها بالملابس واللوازم، نخطط في أى الطرقات نمشى، وفى أى المطاعم سوف نأكل ونسهر، وفى أى مقهي سوف نحتسى الشاى والقهوة، تغمرنا الأمانى، وما ان نصل إلى مقاصدنا حتى تتفلت منا خططنا وترتيباتنا، واحدة تلو أخرى، فلا طرقات مشينا فيها، ولا تفاؤل أو أمل غمرنا، ولا سهرات جمعتنا كما رتبنا، صار كل شيء قبض الريح، يبلل ماء الأمل أيدينا دون أن نشرب ونرتوى، يتسلل إلينا الإحباط، وتمضى أيامنا رتيبة، مملة، نستعجل وقت الإياب حتى ننسى خيباتنا، خططنا لكل شئ إلا كيف نتخطي حواجز خيباتنا.
على النقيض من ذلك؛ جاء سفرنا إلى جبيل مفاجئاً من دون ترتيب، ولا حتى حقيبة ملابس، فقط بطاقة ائتمان تكفل دفع مصاريف الفندق والطعام، ومع هذا امتلأت عطلة الأسبوع بالمرح والسعادة والهناءة ومواقف عفوية ضاحكة حفرت في الذاكرة تفاصيل لا تغيب.
حولنا غياب ملابسنا إلى مادة للسخرية، واشترينا بعض ملابس تكفينا ليومين من محلات سوق جبيل، أحياناً نتناول وجباتنا في الغرفة، وأحياناً أخرى في أحد مطاعم المدينة، وعندما عدنا إلى بيروت مساء الأحد كنا قد سطرنا في ذكرياتنا أحلى عطلة أسبوعية قضيناها معا، وأجمل عطلة قضيتها أنا على الإطلاق، من دون حاجة إلى ترتيب، وليذهب التخطيط وأصحابه إلى جحيم لا يقل عن حرائقنا التى أشعلناها في هذين اليومين. يقيناً، يُفسد التخطيط أحوالنا التى نحتاج ان نعيشها بعفوية، يحبسها في ثلاجات التحفظ الممل.
كانت حرائقنا هروبًا من واقع تحاصرنا أبجدياته منذ آلاف السنين، ومن سرديات ومخطوطات المقبول والمرفوض، ومن تقاليد وعادات وموروثات تأصلت طبقاتها الرسوبية في جيولوجيا تفكيرنا على مدار الزمن؛ تهرب مايا من واقع اجتماعى أضناها موقعها فيه فباتت لا تعرف أين تقف ولا إلى أين تسير ؟، ما الذى يعنيه فقدك لإحداثياتك ؟؛ تصبح فجأة بلا حاضر ويضيع منك الطريق فلا تعرف إلى أى ماض تنتمى ولا إلى أى مستقبل تسير، أقرب ما تكون إلى حالة انعدام جاذبية؛ لا تستقر فيها على حال، تائه .. غير قادر على تعريف محلك المتغير مع عقارب الساعة.
إلى لقاء في فصل جديد